Wednesday, October 6, 2021

السفيرة د.. مها أباظة تكتب : الندرة و الوفرة نماذج متعددة في عالم مضطرب

الشخصيات في علم النفس معقدة و مثيرة، و لكن لكل شخصية إطار عام يعبر عن خصائصها في صورة ديناميكية تجتمع فيها كل صفاتها التي تميزها عن باقي الأشخاص بالرغم من وجود قدر من التشابه في الخصائص العامة أحياناََ، ولكنها رغم ذلك لا تتطابق بل تشبه البصمة فهناك أوجه تميز الفرد عن غيره سواء من الناحية الجسدية أوالفكرية أو النفسية .

و تختلف الشخصيات تبعا للنظريات المعرفية من حيث "الندرة" و "الوفرة"...تحدث ستيفن كوفي في كتابه" العادة الثامنة" عن عقلية الندرة (Scarcity Mindset) وعقلية الوفرة ( Abundance Mindset)، حيث عرَّف عقلية الوفرة بأنها : تلك العقلية التي تؤمن أنّ هناك فرصاً وخيراً يكفيان الجميع، و لسنا في حاجة لخسارة أي شخص أو إيذاؤه لتربح أنت او تستفيد، فالخير دائما متوفر و يكفي الجميع.
الذي يفكر بعقلية الوفرة تجده دائماً هادئاََ مطمئناً متغلغلاََ في عالم الفكر و المعرفة، يفتح آفاقاََ جديدة للتعلم و بناء العلاقات الإنسانية المتنوعة ، يسعى دائماً لتحسين نفسه و البيئة المحيطة به، دؤوب بطبعه محاولاََ تخفيف الضغوط الحياتية على كل من حوله.
الذي يفكر بعقلية الوفرة، لا تهدده نجاحات الآخرين، بل يُطري على نجاحاتهم ويثني عليهم، ويفرح لفرحهم، و يشارك الناس المعلومات والمعرفة لأنه شخصية بالفعل متعاونة ، فضلاً عن مشاركته تجاربه التي قد تفيدهم ، لديه الكثير من الطاقة الإيجابية ، و يتميز بالتفاؤل وحب الخير وتحفيز المحيطين به وتقديم المساعدة المعنوية لهم.
‏هو يرى أن الفرص حوله متعددة و متكررة، و يرى أن ذلك يضمن جودة الحياة و إتاحة الفرص للجميع أيضا إضافة أنه قادر على التعامل مع مواقف كثيرة بسياسة الاستثمار الموجه لما هو افضل للبشرية بأكملها .
هو من الشخصيات المانحة و التي لا يتوقف عقلها عن التفكير والتحليل لغالبية المواقف ، وذلك لاهتمامه بالتفاصيل الدقيقة لذلك حياته مليئة بالنجاحات ، لأنه دائماً قادراََ على إدارة الوقت و إدارة الذات.

بينما الشخصية التي تفكر بعقلية الندرة  تؤمن أنّ الخير والفرص محدودان ، و يجب ان يحاول كل فرد الحصول على مكاسبه بأي طريقة مهما كانت ، و هي من الشخصيات التي يصعب التعامل معها و من الصعب إرضائها لأنها في صراع دائم مع الآخرين ، كما أنها لا تفهم معنى العطاء، و هي نموذج لحب الذات المفرط إلّا أنّها تعكس في حقيقتها الصورة الداخلية المتمثلة بتدني الشعور بالذات،  وتعاني هذه الشخصية من أنواع الاضطرابات النفسية الخطيرة التي تجعل المصاب بها يعتقد على أنّه على درجة عالية من الكمال، ويتصف هؤلاء الأشخاص برفضهم المطلق للنقد حتى البنًاء منه ، وهم يشعرون بالعظمة التي تعطيعهم شعوراً وهمياً بالتفوق، وأنهم فريدون ولا يمكن فهمهم من قبل الأشخاص العاديين، فهم يرون أن حصول غيرهم على فرص أفضل يعني ضياع مستقبلهم، فتجدهم في توتر مستمر.
أصحاب هذه الشخصية يحملون أيضاََ طباعاً حادة جداً، فهي شخصية غضوب سريعة الانفعال وسهلة الاستثارة، إضافة لأن صاحبها شخص عصبي صاحب صوت مرتفع وأعصاب مشدودة دائماً، وعادة ما يتجنبه الكثير لسوء معاملته، كما أن صاحب هذه الشخصية لا يثق في أحد و لا يصدق المحيطين به، لذلك فهي من الشخصيات الغير مريحة في التعامل، و أفضل الحلول لهذه الشخصية هو العلاج النفسي حتى تهدأ لديهم الأمور .
و مهما كان نوع الشخصية، فهي القادرة دائماً إما علي نقل الهدوء و الصفاء للآخرين و الطاقة الإيجابية التي تخدم المجتمع ككل، أو إثارة الضغوط و ضخ التوتر بأشكاله المتعددة و خلق عالم مليء بالمضايقات و المشاكل نتيجة لعدم ضبط انفعالاتها.
و رغم الاختلاف في الشخصيات إلا ان هناك إجماع أن، التعامل مع الشخص الذي يفكر بعقلية الوفرة، الشخص الذي يحتفظ بقيمة نفسه ولكن دون غطرسة، وهو ما يجعله أقرب لقلوب الجميع، حيث أن التعامل معه يكون أسهل و يجعلهم يشعرون بمكانتهم و قدرهم و هو ما يضيف للعلاقات الاجتماعية طابع الهدوء و الاستقرار النفسي.