Saturday, November 26, 2022

نبيل مصيلحي يكتب : قصيدة بدون عنوان


لو إنك تقرأ  لشاعر الجنوب محمد عبد القوي حسن ، لن تشعر بغرابة المفردة ،  سوف تألفها ، وتتعود على معرفتها من بين أشعار شعراء العالم.
أتكلم عن بصمة مفرداته ، أو قاموس عاميته.. فعاميته لا مالت إلى اللهجة الصعيدية بالكلية ، بل أن عبد القوي يغترفها من ماعون/ وعاء العامية المصرية القاهرية.
في هذه القصيدة التي كتبها بدون عنوان ، يرسم صورة لأكثر من فرد ، ولعله يقصد جماعة ما  ، أو أهل أسرة ما ، أو أهل بلدة ما في زمن ما ، فإنه لم يدلل عن المكان ، ولكن عن الزمن ، فهو زمن القسوة ومرارة العيش ، وسفر الأحباب في طريق لا عودة لهم.
ويتضح لنا أنه ينعي أحد المقربين له ، فهو بمثابة جزء من أجزاء جسمه قد فارقه ، تشعر بعاطفة الحزن ، ليؤكد أن المسافر رحل عن دنيانا الفانية.
وإيمانه أن لا مفر منه ، وهو آت آ ت  ، في وقت يعلمه الله ، وبإذنه ، ويشير إلى من يخصهم هذا المسافر ، وبما تحلوا به من الصبر ، برغم أن أملهم يتأخر عنهم.. فيقول: ( فارشين صبرهم متغطيين بالروح/ من خلفهم صوت الأمل مبحوح)..
وهذا المسافر الذي ترك جماعته ، جايين قلوبهم ترتجف/ شايلين همومهم ما تخف / وفي ظل أزمتهم بيسبحوا الله العظيم ، دلالة على الإيمان بالقضاء والقدر.
ولأن الشاعر استوى لديه طعم الدنيا بطعم الموات ، انطلق من الخاص إلى العام ، يقرأ الواقع الأليم ، الذي يبطش بكل شيء ويغيره ، حتى تستشعر الأرواح بأنها في سفر الغربة الموحشة، غربه النفس ، والليل بيسبح في نخاع الأوردة/ وجسد الصبايا نحيف .. لا يتحمل السفر الطويل في تلك الغربة ، حتى بين حيطان الذاكرة.
وينادي عبد القوي بأعلى صوته: يا مغربين الضحكه/ ومفرهدين سكك الصبايا ، وكأنه يعرفهم تماما ، وكيف لا يعرفهم وهم من يسقون الواقع بمن فيه المر والعلقم.
ويمارس الشاعر العدودة في نعي المسافر ، الذي كان للبنات ، وترك لهم ذكرى تذوب في أوردتهم..( آهين يا صبر علقم ع السكك/ آهين يا غربه بتشندل الأحوال/ آهين وآه يا سفر على طول .
لقد استشعرت الحزن الذي استكتب محمد عبد القوي ، فكتب هذه القصيدة من وجدانه ، بما فيها من عواطف الفراق ، والحنين، والخوف ، والحزن، والألم .. وقد تجلت مشاعره فياضة بكل ما في قلبه الحليب ، وإنسانيته الطيبة .
والى أن نلتقي في أعمال أخري لشاعر الجنوب المصري محمد عبد القوي حسن.
نبيل مصيلحي