Tuesday, September 6, 2022

د. كمال فهمي يكتب : هل الوعي لعنة

مداخلتى فى الحلقة النقاشية (هل الوعى لعنة ؟)
 لشهر سبتمبر 2022
عنوان المداخلة (برغم الالم .. يظل الوعى نور)
بداية اشكر الاستاذ والمفكر العراقى القدير غازى القيسى على هذه الحلقة النقاشية ذات الموضوع الحيوى المحفز على التفكير وقد استمتعت كثيرا بمتابعة ما كتبه كاتبنا المحترم فى تقدمته لهذه الحلقة من افكار وتساؤلات  والتى يجمعها السؤال الاكبر الذى وضعه عنوانا لها وهو .. هل الوعى لعنة ؟  .. وهو سؤال رغم انه مؤلم ومحزن الا انه حقيقى ويشعر به ويواجهه كل من يفكر ويضع للعقل الصدارة فى محاولة الفهم والتحليل لكل امور الحياة ..  

واتذكر هنا فورا ما كتبه الكاتب السورى سعد الله ونوس فى احدى مسرحياته قائلا : 
ستزيدك المعرفة توجساً، و سيتضاعف عذابك كلما اكتشفت أنك أضعف من ان تغير مسار الأشياء
 أحياناً تكون الفطنة أن يتجنب المرء المعرفة
 ليتني لا أبصر. ليتني كنت قطرة ماء تحملها الأنهار إلى أعماق البحار فأستقر هناك بعيداً عن عذابات الناس و عماها.

لقد عبر الكاتب فى هذه العبارات المكثفة خير تعبير عن معاناة الانسان الذى قرر ان يقوده عقله فقط وان يحاول ايقاظ الجموع من حوله التى تكاد تكون فى غيبوبة .. ان معركة الانسان الذى قرر ان ينتهج طريق الوعى ليست معركة مع ذاته فقط ولكن معركة مع مجتمعه الذى استراح افراده الى افكار وعادات متوارثة منقولة ومريحة بعيدا عن الحقائق المؤلمة . 

وربما تكون معركة الوعى مع الذات اقل الما ولكن الالم الاشد يأتى مع معركة الفرد مع المجتمع الذى قرر الانسلاخ عنه ومحاولة شده معه فى طريق الوعى فهو يقابل فى هذه المعركة صعوبات شتى واشواك تنال منه وتحتاج الى عزيمة هائلة لتلافى اثارها فما اسهل ان تسبح مع التيار وما اشق ان تكون سباحتك ضد التيار وما اسهل ان تترك نفسك الى اسفل فى اتجاه الجاذبية وما اشق ان تتحرك الى اعلى ضد الجاذبية   

ليس من السهل على بعض من يعيشون فى الغيبوبة ويرتاحون لها ان يستجيبوا بسهولة لمن يدعوهم الى الخروج من غيبوبتهم ومن الطبيعى بالنسبة لبعص من يشعرون بالراحة فى نومهم العميق  ان يكونوا كارهين لمن يحاول ان يوقظهم 

وبرغم الالم الذى يشعر به كل مفكر فى معركة الوعى الا انه يظل هناك من يقاومون الالم ويستمرون فى معركتهم التى يرونها واجبا مقدسا وهؤلاء هم النخبة من الاقوياء الاشداء .. اما من يسايرون الجموع فى توجهاتها (مهما كانت غبية وحمقاء) فهم الضعفاء الذين لا يستطيعون الانتصار على رغبات النفس بانانيتها التى تبغى مصالحها وليس صالح مجتمعها 

ان مهمة الاصلاح مهمة شاقة لاننا نواجه من اعتادوا الراحة الى القديم الثابت ولا يستريحون لمن  يدعوهم الى تفعيل عقولهم من اجل التغيير نحو الافضل .. لذلك فعلى كل الاصلاحيين ودعاة التنوير ان يتحلوا بالصبر والمثابرة وتحمل المكاره من اجل دعوتهم النبيلة .. فهذا هو قدر كل من يدعون الى التغيير .. ولذلك فانا ارى الاصلاحيين ودعاة التنوير فى مكانة تلى مكانة الرسل والانبياء من حيث التحمل والصبر من اجل دعوة نبيلة يؤمنون بها .

ان الدعوة للتنوير لم تعد ترفا فكريا بل اصبحت ضرورة حياة بعدما اكتوت شعوبنا كلها بنيران التطرف والارهاب والعنف والكراهية باسم المقدس فكل منا قد فقد اقارب او احباء بسبب هذا الجهل الذى يغلفونه بغلاف دينى والدين منه براء

سنظل ندق الاجراس لايقاظ العقول المتوقفة عن العمل وسنتحمل كل من يرفضون الاستيقاظ ...  وهم على كل حال اراهم يتضاءلون يوما بعد يوم بينما ينتشر الوعى بدرجة اكبر من احلامنا .. ففى مقابل هؤلاء الرافضين هناك اضعافهم ممن يشعرون بالفخر ويعلنون الثناء على هذا التجمع المبارك الذى يحمل رسالة نبيلة وهم اكثر بكثير مما نتوقع .. فهناك نسبة كبيرة ممن يقرأون ويستوعبون ويسعدون  بما نكتبه ولكن فى صمت دون ان يتركوا لهم بصمة .. وقد قابلت منهم الكثيرين ممن يمنعهم الحرص الزائد عن ان يضعوا مجرد لايك متوهمين ان ذلك يجعلهم بمنأى عن خسران محبة بعض الناس او الجماهيرية والشعبية  بينما هم يحرصون على ذلك لاسباب متعددة .. وانا دائما اقول لهم .. ان الساكت عن الحق شيطان اخرس ..  فهل يقتنعون ؟ ان الصمت لا يعتبر فقط مجرد سلبية ولكنه جريمة وخيانة لحاضر ومستقبل الاجيال القادمة

دمتم جميعا اصواتا قوية تصدح بالحق وتنشر الوعى فى ربوع بلادنا من اجل حاضر اجمل ومستقبل افضل لأولادنا واحفادنا .. لا تلتفتوا الى اصوات من يرفضون الخروج من الغيبوبة فسوف يخرجون منها رغما عنهم بعد ان يحيط بهم نور العقل من كل جانب وسيحاصرهم طوفان الوعى وسوف يستسلمون .... وحينها سوف يكون الوعى اقل الما وينتشر نور الوعى بسرعة اكبر من كل طموحاتنا 
تحياتى وتقديرى اليك استاذ غازى القدير والى جميع الاخوات والاخوة المشاركين الذين استمتعت بمداخلاتهم