Sunday, July 17, 2022

نبيل مصيلحي يكتب : قراءة في قصيدة ( التمر تمري ) للشاعر محمد عبد القوي.

من حقك أن تقول ما دمت تسكن قلب هذا الكون المترامي الأوجاع ، تكشف أستار الألم ، وتعري أسبابه ، وأن تقول ، لا تخشى ظلام ليلك ، فأنت  رسول احساسك ، ونبي بوحك ، وأنت في حب الله ما دمت للإصلاح تسعى ، وما دمت تبغي الخير للوطن والناس ، فأزح أي شئ أمامك يعرقل خطواتك  ، وكل ما هو ظلام يفصلك عن النور .
يعرف الكثير عني ، أنني لا أكتب إلا عن الإبداع ، عندما أراه وردة مزهرة ، ويحقق ليَّ البهجة وانشراح النفس ، وهذا ما جعلني  أتوق إلى الكتابة عن قصيدة " التمر تمري " للشاعر الإعلامي محمد عبد القوي حسن ، هذا الإنسان المثابر الصابر، دؤوب التجوال في دروب الوطن ، يسير ولا تهدأ سواقيه ، يسجل ويرصد بكل أمانة ، كل ما يراه ويسمعه ، ويعبر عن وجهة نظره في قضايا الوطن بكل أمانة ، يكتب بمشاعره في إطار إبداعي رائد ، يبحث عن الجديد ليقدمه للمتلقي  ، بما يملك من قاموس عامر بالمفردات العامية المصرية ، ويروق له مزج عاميته المصرية ، بالمفردات الفصيحة ، وهو ينفرد ويتفرد ويتميز ببصمة تخصه لا تضاهي بصمات الآخرين ، ولا يقامر باجترار ما سبق من شعر السابقين ، أو يدير له بال .
وليست هذه هي المرة الأولى التي أكتب عن شاعر الجنوب المصري محمد عبد القوي حسن  ، مما جعلني أعشق الكتابة عنه وأنا أتجول في عالمه الشعري .
هكذا يبدأ قصيدته الرائعة " التمر تمري " هذا التمر الذي يحتوي  على الكثير من المنافع المفيدة لبدن الإنسان ، والذي ذكره القرآن الكريم ، بالإشاره إليه في سورة ( مريم ) ، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا .. ، لتؤكد مشيئة الله وقدرته ، بفائدة التمر التي سوف تعود على مريم ، والتي بدأت مرحلة النفاس ، وأن تجد ما يلزمها من طعام يساعدها على النهوض والقيام لأداء مهمة أخرى ، وتقوى على مواجهة قومها ، الذين سيوجهون إليها عجائب أسئلتهم .
كما يشير العنوان إلى امتلاكه هذه النخلة عن طريق الإرث من الأجداد ، هي في أرض الوطن ، وملك يمينه ، وما تطرحه من تمر ، هو تمره .. فيقول " التمر تمري .. وما في هذا العنوان من اعتزاز وفخر بهذا التمر .
ويخرج عبد القوي من عنوان قصيدته ، ويبدأ علاقته بالأرض / التربة ، والضحكة التي تقدر أن تهديها للشوق ، مع حكمة تقول : إننا لا ندري سيناريو أعمارنا ، ولا ندري على أي مرسى سنرسوا عليه بسلام .. ( تقدر تهادي ضحكتك بدري / للشوق يونس تربة الأيام / طالع سيناريو العمر من بدري / على أي مرسى راح يرسى بسلام  ).. فهل هذا المقطع / المستهل يهيئنا لاستقبال الأنعم منه وجدانيا وماديا ..؟!
وحيث تنفرط الأيام من "الناحيادي" المشار إليها ، وبما فيها من رمزية تستر كينونتها ، ويأخذ قراره بعدم معاداه اللؤم ، ولن يدادي أصحابه ، ولن يعود من  غربته ، ليكنس بتوبه تلك الغربة ، وما فيها من مرارة ، ويعرض عن مؤانسة حدادي اللئام ، ليمنحنا صورة رافضة لكل هذه الأشكال ، التي يتعامل معها في الحياة ، ويقرر اعتزالها نهائيا مصرا على عدم العودة إليها .. فيقول: ( تنفرط الأيام من الناحيادي / وانا مش هاعادي اللؤم ولا ادادي / ولا ارجع اكنس غربتي بتوبي / ولا راح أونس في حدادي لئام ).
ونراه يرفض ويستنكر بشدة ، ما يواجه الرسول من سباب وسخرية من أشرار البشر شياطين الإنس ، ويواجههم بلوحة تعبيرية استنكارية  ، بعدم فهمهم حقيقة الرسل وما جاءوا به لإخراج الناس من ظلمات الجهاله ، إلى روضات الإيمان .. فيقول : ( وكأنك إنت مش النبي المرسل / وكأنك إنت مش رسول وسلام / وكأنك إنت تشبه الغربه / أو تشبه السكك المصاحبه ظلام / ولا جات شموس الصبح لو تدرى / تكنس غبار المدار اللي عدى أوام ).
ومن الإسئلة الاستنكارية إلى سؤال الذات ، فمن هو إن لم يكن هو ..؟ هو الذي لم يتمن أن تنفرط الأحلام من قلبه ، أو من بين أصابعه ، وكأنه سيصحبنا إلى منطقة أخرى ، غير التي كنا معه فيها .. فيقول: ( أنا كنت مين لمَّا ماكنتش أنا / ولا كان منايا أفرفط الإحلام ).
وما سبق وما سياتي ، ما هو إلا متوالية شعرية متواصلة المقاطع ، لتطرح صورا جزئية ، للوصول إلى الصورة الكلية المعبرة عن موضوع القصيدة بطعم الإحساس : ( طالعة الصبايا شايله حمل حمام ) .. فهم المقصد ، وهم من سيحملون الراية من بعدنا ، وبرغم نواح أم البؤس المتواصل ، أو النواح بالعدودة والندب ، إلا أنه  يضع نهاية  لها ، لتنال المصير البائس نتيجة أفعالها ، وكأنه يقول إن من يزرع يحصد ثمار ما زرع.
ويقول " ( الرجل ما تدبش مطرح ما تحبش ) ، ليتماهى في المعنى مع المثل الذي يقول ( الرجل تدب مطرح ما تحب ) ، ويرسم لنا صورة فنية ، بطرح أو فقس الحب ، فيقول : ( الحب لو يفقس ع الشجره يبقى يمام ) ، ليدور في أذهاننا تماما فقس الكراهية المقابل لفقس الحب ، من الغربان والبوم والحدادي.
ويعود إلينا بالتأكيد الثابت لديه ، أن "التمر تمري" ، ولكن الفم الذي يأكل التمر لا أجنبي ولا هندي ، ويتخذ المواراة  فلا يكشف عن رمزية العبارة بالصورة المباشرة ، فالذي ينعم بهذا التمر هو ابن البلد ، مع مواراة المعنى أيضا ، " والهندي مش هيفوق من الأوهام )..!! وهي إشارة ضمنية للبشر الذين ينعمون بخيرات هذه الأرض ، وينكرون فضلها ، ولعله يقصد المعنى المستتر خلف رمزيته ).
وهو مثل الكثير من الشعراء يرمزون لليل ، بالظلم والقسوة والفساد والقهر والعهر .. إلخ ، ليؤكد تماما أن هذا الليل بأشكاله المتعددة ليس من زنده ، وهو يتبرأ منه .. (  ولا عمره من زندي ) .. لأن زند الشاعر يطرح في نسل الكرام .. هذا المقام الغالي في العالي ، ولن تطول أيادي كل من دنا إلى الأرض ، ( والواطي يوطي وينبطح قدام ).
ويخلص عبد القوي إلى حقيقة .. أن الصغيرة من القول أو الفعل تسري كما تسري النار في الهشيم ، وتفوح رائحتها حتى تزكم الأنوف . برغم أن الدنيا تزول ولا بقاء لها ، ولا حقيقة فيها إلا الموت ..( لو أي خلق تشق بعريشه / تلقى الحقيقه تشق ألف زكام / ولا حطام الدنيا له معنى / ولا ركام الأزمنه بينام ).
ومهما يكون الحظ كالسل في الأقدام ، ويعوق حركتها ويستنزف قوتها ، إلا أن  الوطن هو المرسى الأصيل ، الذي يحفل بالقيم الجميلة والنور ، ( لعودة بلادي في وريدي مدادي ) ، ولا يبخل على كل كريم وطاهر أن يهديه أعز ما لديه من رطب تمره ، والذي هو مِلك يمينه ، وميراث أجداده .
كما أن الشاعر يستشهد في هذا المقام بالنبي العدنان الذي قال في معنى الحديث ، لا يدخل بيتك إلا المؤمن ، ولا يأكل طعامك إلا التقي .
وكان ختامه للقصيدة ، ما يؤكد أنه لا يكتب من أجل فئة بعينها ، أو لقارئ بعينه ، ولكن هو يكتب لمن أراد أن يعي ويفهم فيقول : ( سلام لكل من قرا القصيدة ولم يفهم مغزاها / سلام لكل من قال القصيدة أي كلام ..) .
والقصيدة بصفة عامة تحمل جرأة في مواجهة الواقع ، كما أنها تحمل في طياتها وطنيته وانتمائه للأرض التي يعيش عليها ، وتحمل محبة للرسول الذي أخرج الناس من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان ، كما تستنكر وترفض كل ألوان اللؤم والغدر والظلم .
هذا هو الشاعر الجنوبي المصري محمد عبد القوي حسن ، وطني الانتماء، فصيح التعبير ، صافي القلب ، عفيف اللسان ، قاهر الفشل ، قوي الإرادة .
خالص تحياتي 
نبيل مصيلحي 
الأحد 17 من يوليو 2022 م

Saturday, July 16, 2022

د. عاطف جوده يكتب :مهن ريفية






عن الذي كان في الريف زمان
الحلقه الخامسه والخمسون
مهن ريفيه
2-المطبلاتي
نحيل الجسم، قوي العزيمه، رشيق الحركه، سريع الكلام، لايخرج من داره الا وقد وضع الطاقيه الصوف البلدي على رأسه وقد لفها بشال ابيض خفيف، انه عمي محمود السكافي أشهر من دق علي الطبله في القريه.
والطبله عباره عن طاره خشبيه مستديره - تشبه التي نراها في المارشات العسكريه-مغطاه من الجانبين بجلد حمار مشدود باحبال سميكه، يضعها المطبلاتي في عنقه ويتم الدق عليها باستخدام عيدان من الخيزران.
وللمطبلاتي وظيفتان؛ الأولى عند الوفاه عندما يقف بالقرب من بيت المتوفي يدق عليها دقات حزينه ليخبر الناس بالوفاه، فالميكروفونات لم تكن قد دخلت القريه بعد، ثم يقوم بالتطبيل أمام جثمان المتوفي حتى دخوله المسجد للصلاه عليه. والثانيه انه كان يقوم بدور المسحراتي في شهر رمضان، وكان فريق التسحير يضم محمود السكافي وحموده الجمل يتبادلان الدق على الطبله وعلى السكافي وفي يده عصا غليظه يدق بها على الأبواب او على شباك القاعه وامامهم عاطف جوده وكنت صبيا صغيرا حاملا فانوس زجاجي به لمبه جاز لاناره الطريق وسط دروب القريه، وينتهي الركب في دارنا على طعام السحور الذي اعدته جدتي ام جوده رحمها الله.
وكان محمود السكافي مضروبا بالسيره الهلاليه وسمعتها منه مرارا وتكرارا خاصه حكايه رياده الغرب وعزيزه ويونس.
وكان يرحمه الله له حرفه اخري لايجاريه فيها الا المرحوم السيد زقلط الا وهي قطع الأشجار، فقد كان بارعا في تسلق الأشجار العاليه ويقطعها على مراحل بمهاره فائقه.
وأشهر من دق علي الطبله في كفر الغنيمي هو المرحوم عبدالسلام القناوي
وغدا حلقه جديده ان شاء الله
الصور المرفقه
عم علي السكافي والصوره في فناء دارنا على الشرقي وتستطيع ان تلمح بعض الأوز في الصوره
والثانيه جدي الحاج حسين أبوسليمان والمرحوم د محمد عبدالحميد سليمان والأستاذ سلامه سعد والأستاذ جمال جوده
لاحظ أشجار الكافور العاليه التي كانت مزروعه على الشرقي

Tuesday, July 12, 2022

د. عاطف جوده يكتب :مهن ريفية


عن الذي كان في الريف زمان
الحلقه الرابعه والخمسون
مهن ريفيه
اقتضت طبيعه الحياه في الريف وجود مجموعه من أصحاب المهن والحرف اليدويه  الضروريه لاتمام العمل في الحقول او المنازل مثل النجار البلدي، المنادي، المطبلاتي، البنا البلدي، صانع المناخل والغرابيل، صانع الاحذيه، ضارب الطوب، طالع الشجره، مبيض النحاس، حلاق الحمير، حلاق القريه و بائع الاقمشه المتجول.
واغلب هؤلاء ليسوا من اهل القريه ولا نعرف لهم اصل او فصل ولا من أين أتوا، إنما هم قوم يعرضون بضاعتهم وصنعتهَم على الناس ينتقلون من بلد الي اخري، بلد تشيلهم وبلد تحطهم حتى يطيب لهم المقام في بلد معين، يجلسون أمام احد الدور يمارسون صنعتهَم ووقت الغذاء يقوم اهل الدار بتقديم طعام الغذاء لهم من الموجود، فالجوده بالموجوده، ويوم يجر يوم يشترون دارا صغيره متواضعه و يستقرون في القريه ويصبحون جزء من النسيج الاجتماعي للقريه وتمضي الحياه بهم كما تمضي بنا.
1-منادي القريه
رجل قصير كبير السن ترك الزمن بصمته على وجهه، يرتدي ملابس متواضعه، ويلف رآسه بقطعه من القماش لاتستطيع ان تتبين لونها من قدمها واتساخها، يدور في القريه في الشوارع والحواري الضيقه ينادي ياولاد الحلال عيله صغيره تايهه اللي يلاقيها يرجعها لأهلها بجوار مسجد الشراقوه، وتاره اخري المعلم فلان هيدبح عجل بقرى صغير بكره ان شاء الله بعد الظهر.
هو وكاله انباء القريه او ان شئت قلت وكاله اعلانات القريه فهو وسيله التواصل بين الجميع فلم تكن هناك وسيله اخري.
ومنادي القريه موجود في مصر منذ المصريين القدماء مرورا بالدول الاسلاميه من فاطميين وايوبيين و مماليك وكان يمثل حلقه الاتصال بين الحاكم والمحكوميين وكان بمثابه جريده الوقائع الان.
و العبقري صلاح جاهين في تحفته الخالده الليله الكبيره ذكر شخصيه المنادي
ياولاد الحلال
بنت تايهه طول كده
رجلها الشمال
فيها خلخال زي ده
وكان المنادي عندنا في القريه المرحوم ابراهيم الجمل رجل طيب وبسيط كان يمثل لنا وكاله انباء متنقله رحمه الله وغفر لنا وله
وغدا حلقه جديده ان شاء الله

Sunday, July 10, 2022

الشاعر نبيل مصيلحي يكتب :حمام سلام


باتمنى إن أنا وانتوا نكون حمام سلام طاير في السما
حابب مجاله .. دياره .. وكل ما في الوطن 
عاشق وزاده جوه قلبه حب ماله مدى أو حد
يحد الانتما والوصل
باتمنى تبقى مصر حدوته حلوه في لسان الخلود
بتطل دايما م المشربيه شمسة الأكوان
وباحبها تبقى عروسة كل صبح جميل
وباحبها ع الترعه تتمشى يميل عشاقها بالمواويل
الخضره في عيونها والصباح الأصيل والليل
شايله الحنين في الكفوف خير الله 
 بتوزعه ع الكل
بتمنى إن انا وانتوا نعيش في نهارها الفل
باتمنى .. والأمل حبة حياه في القلب له سطوه
والخطوه قويه بتشد ١٠٠ فجر لحضنها يسكن
اااااه لو نكون اقوى م الجبال في وش الرياح والغدر
وكف أقوى م الزمان يعصر في المحن عصر
باتمنى أنا وانتوا نبقى طيبين جداً 
نبقى ملايكه فوق جبين الأرض
مصر الوطن والشرف والعرض
فرعون قارون نمرود طغى والكل مات وهيه ما بتموت
الكل بيسجل تاريخه ع السطور ضلمه كانت أو قمر ونجوم
.........
نبيل مصيلحي

Saturday, July 9, 2022

الشاعر نبيل مصيلحي يكتب: مش هناخد منها حاجة

مش هتاخد منها حاجه
وان طويت ف دروبها طي
أو هتتشعلق في عيدها 
مهما طولت منه ضي
هيه فانيه بنت فانيه مهما طال بيها الزمان
هيه خدعه فارغه من كل الأمان 
هيه بس ملبسايه طعمها بيفضل شويه
بعد حبه  يروح أوانه  يرجع المر ف لسانك 
هيه حقه بت حلوه ساحره وجدانك وعقلك 
قادره بتشقلب كيانك 
لو في يوم بتجر رجلك روحت واقع آه لشوشتك
يبقى ذنبك ليها تعبد  لما  هتمصمص عضامك
شوف بقى لو إنت عاقل
بص هتشوفها عجوزه والزواق هوه ساحرها
رغبتك فيها رخيصه شهوه بتفارقك عبيطه
تنزل البحر الغويط إللي فيه الذنب حوت
ياكل الخير من زمانك 
تبقى فيك ابليس لعين 
تقضي عمرك 
زي ميه اتسرسبت من بين صوابعك
هب أخد الله أمانته
هب لحظه وغسلوك
هب لحظه وكفنوك
هب شالوك فوق كتافهم
ع المقابر ودعوك
كلهم راحوا وسابوك
آه يا حزنك
لما تدخل قبر ضلمه
لما هتشوف عملك اسود
لما هتهته في ردك
لما النار هتشوفها دارك
لما قبرك راح يضمك ضمه بتكسر ضلوعك
لما تتحسر تشوف الجنه حلوه ومش بتاعتك
إيه بقى ما تقول لي رأيك
عايز الدنيا بدهبها ..   وبفلوسها .. وبقصورها
إللي ما تساويش هبابه
والا  عايز  فضل ربك

Monday, July 4, 2022

د. عاطف جوده يكتب :الشعراء


عن الذي كان في الريف زمان
الحلقه الثالثه والخمسون
الشعراء
في منتصف رمضان ونحن جلوس في دوار العائله القديم  والقمر ينشر ضوءه الفضي الساحر على الكون، دخل علينا رجل قصير القامه يرتدي اثمالا باليه وعلى رأسه عمامه كبيره ملونه وسبحه ضخمه تتدلي من عنقه وفي يده عصا له فيها مآرب كثيره، جلس في أول مكان صادفه، بادرته ببعضا من تميرات وناوله المهندس فريد سليمان ابن عمي - رحمه الله- فنجانا من القهوه المحوجه، وبعد أن اكل وشرب رفع عصاه في الهواء ثم دق بها الأرض صائحا يقول ابن عروس
ماحد خالي من الهم حتى الحصى ف الاراضي
لا له مصارين ولادم ولاهو م الهم فاضي
ثم اخذ نفسا عميقا من نارجيله كانت تدور على الحاضرين اتبعه برفع عصاه مره اخري وهو يقول
ماحد خالي من الهم حتى قلوع المراكب
حسك تقول الندل ياعم ولو كان ع السرج راكب
فقلنا جميعا في صوت واحد صدقت
هؤلاء هم الشعراء الذين قال عنهم الأديب الكبير طاهر ابوفاشا ادركتهم حرف الأدب يتكسبون منها وتفتح لهم باب الحياه ينتقلون من بلد الي بلد حتى يستقرون في بيت رجل موسر من أعيان القريه فيحطون رحالهَم عنده، يذهبون في النهار الي الحقل يساعدون في الزراعه تاره ويجلسون تحت شجره الجميز العتيقه عند الساقيه القديمه تاره حتى يحين الليل فيجلسون في المندره الكبيره يعرضون بضاعتهم وهي ثريه ومتنوعه؛ سير شعبيه، سيف بن ذي اليزن، الظاهر بيبرس، السيره الهلاليه وهي الاشهر والابرز والناس جالسون متحلقون حولهم وكلهم اذان صاغيه فهذه هي وسيله الترفيه الوحيده في هذا العصر والكل مشدود الي الأحداث والي الشخصيات؛ ابوزيد الهلالي، ودياب بن غانم ، الزناتي خليفه، خضره الشريفه، عزيزه ويونس، حروب ومبارزات وعشق وغرام، وخيال جميل مثل القصر الذي بناه يونس لعزيزه في البحر طوبه ذهب وطوبه فضه، وتنقضي الليله، وتكمل الحكايه في الليله القادمه، وهناك الحواديت وهي قصص محبوكه دراميا وبها خيال وسحر لاحدود له ، اكتشفت انا بعد ذلك انها حكايات كتاب الف ليله وليله، الكتاب الاشهر في الأدب العربي.
وليله تجر ليله حتى ينتهي الاسبوع فياخذوا ماقدر الله لهم من حبوب وطعام ونقود ويرحلون الي قريه اخري.
والحقيقه انني عاصرت فقط شاعر ابن عروس ولكني عرفت بأمر هؤلاء الشعراء من الأجداد عندما كان الشعراء  يأتون
 الي دوار جدنا الأكبر الشيخ الطاهر أبوسليمان.
وحفظت هذه الأشعار والسير والحواديت في صدور الرجال وتناقلوها جيلا بعد جيل ،وكان من أشهر الحكائين الشيخ عبد المنعم الطاهر، المعلم محمد ابوعبدالله النجار، الشيخ محمد غنيمي سليمان، المرحوم محمود السكافي، الشيخ فكري سليمان.
وكان اخر عهدي بهؤلاء في رمضان عام ٢٠٠٩، وكنت جالسا في فناء داري في القريه فدخل على اثنان من الشعراء وجلسوا طويلا وقدمنا لهم الطعام والشراب والدخان، ثم أخذوا ماقسم الله لهم من رزق ومضوا، ومضى معهم العمر الجميل.
وغدا حكايه جديده ان شاء الله

Sunday, July 3, 2022

د. عاطف جوده يكتب:عبيط القرية


الحلقه الثانيه والخمسون
وسط حياه الريف الهادئه الرتيبه والقاسيه المصحوبه بالحزن والشجن تبدو شخصيه عبيط القريه كبسمه وبهجه وسط هذا البحر من الآلام والتعب.
وهناك اسباب عديده لظهور هذه الشخصيه منها الفقر والمرض والجهل وأحيانا التجاهل.
وهذه الشخصيه التي نظن انها هامشيه ثم نكتشف انها في وسط الأحداث ترقب مايحدث احيانا بالصمت وأحيانا بالسخريه هي جزء من حياه مجتمع الريف الذي يضخم من هذه الشخصيه ويخلع عليها اوصافا مثل انه رجل من الدراويش او المجاذيب أصحاب الكرامات، والبعض في احيان كثيره يخترع حكايات لم تحدث ويرويها على لسان عبيط القريه حتى أكاد ان استعير قول نزار قباني لو لم نجده عليها لاخترعناه.
والرجل تمضي به الحياه كما تمضي بنا المهم انه يجد لنفسه بابا لكسب العيش ونجد نحن بابا للبهجه والفكاهه التي تزيل عنا وعثاء الحياه وهمومها.
ولقى عبيط القريه في الأدب العربي اهتماما واسعا فهو ابن صبيحه في الحكايه الشعبيه حسن ونعيمه ولعب الدور باقتدار الفنان محمد توفيق وهو الشيخ عصفور في رائعه توفيق الحكيم يوميات نائب في الارياف وهو علواني في التحفه الخالده الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف شاهين ولعب الدور صلاح السعدني.
والحقيقه ان عبيط القريه ليس ظاهره مصريه بل هو ظاهره انسانيه فهو الزين في رائعه الطيب صالح عرس الزين.
وعلى مايبدو ان عبيط القريه هو رجل يرصد الواقع بمنظاره ويعيش دونما أعباء اجتماعيه او التزامات ادبيه حتى يخيل الينا انه نوع آخر من البشر منحنا الله اياه ليعطي لنا لمحات من البهجه والسعاده التي نحلم بها ونبحث عنها.
وغدا حلقه جديده ان شاء الله