Monday, July 4, 2022

د. عاطف جوده يكتب :الشعراء


عن الذي كان في الريف زمان
الحلقه الثالثه والخمسون
الشعراء
في منتصف رمضان ونحن جلوس في دوار العائله القديم  والقمر ينشر ضوءه الفضي الساحر على الكون، دخل علينا رجل قصير القامه يرتدي اثمالا باليه وعلى رأسه عمامه كبيره ملونه وسبحه ضخمه تتدلي من عنقه وفي يده عصا له فيها مآرب كثيره، جلس في أول مكان صادفه، بادرته ببعضا من تميرات وناوله المهندس فريد سليمان ابن عمي - رحمه الله- فنجانا من القهوه المحوجه، وبعد أن اكل وشرب رفع عصاه في الهواء ثم دق بها الأرض صائحا يقول ابن عروس
ماحد خالي من الهم حتى الحصى ف الاراضي
لا له مصارين ولادم ولاهو م الهم فاضي
ثم اخذ نفسا عميقا من نارجيله كانت تدور على الحاضرين اتبعه برفع عصاه مره اخري وهو يقول
ماحد خالي من الهم حتى قلوع المراكب
حسك تقول الندل ياعم ولو كان ع السرج راكب
فقلنا جميعا في صوت واحد صدقت
هؤلاء هم الشعراء الذين قال عنهم الأديب الكبير طاهر ابوفاشا ادركتهم حرف الأدب يتكسبون منها وتفتح لهم باب الحياه ينتقلون من بلد الي بلد حتى يستقرون في بيت رجل موسر من أعيان القريه فيحطون رحالهَم عنده، يذهبون في النهار الي الحقل يساعدون في الزراعه تاره ويجلسون تحت شجره الجميز العتيقه عند الساقيه القديمه تاره حتى يحين الليل فيجلسون في المندره الكبيره يعرضون بضاعتهم وهي ثريه ومتنوعه؛ سير شعبيه، سيف بن ذي اليزن، الظاهر بيبرس، السيره الهلاليه وهي الاشهر والابرز والناس جالسون متحلقون حولهم وكلهم اذان صاغيه فهذه هي وسيله الترفيه الوحيده في هذا العصر والكل مشدود الي الأحداث والي الشخصيات؛ ابوزيد الهلالي، ودياب بن غانم ، الزناتي خليفه، خضره الشريفه، عزيزه ويونس، حروب ومبارزات وعشق وغرام، وخيال جميل مثل القصر الذي بناه يونس لعزيزه في البحر طوبه ذهب وطوبه فضه، وتنقضي الليله، وتكمل الحكايه في الليله القادمه، وهناك الحواديت وهي قصص محبوكه دراميا وبها خيال وسحر لاحدود له ، اكتشفت انا بعد ذلك انها حكايات كتاب الف ليله وليله، الكتاب الاشهر في الأدب العربي.
وليله تجر ليله حتى ينتهي الاسبوع فياخذوا ماقدر الله لهم من حبوب وطعام ونقود ويرحلون الي قريه اخري.
والحقيقه انني عاصرت فقط شاعر ابن عروس ولكني عرفت بأمر هؤلاء الشعراء من الأجداد عندما كان الشعراء  يأتون
 الي دوار جدنا الأكبر الشيخ الطاهر أبوسليمان.
وحفظت هذه الأشعار والسير والحواديت في صدور الرجال وتناقلوها جيلا بعد جيل ،وكان من أشهر الحكائين الشيخ عبد المنعم الطاهر، المعلم محمد ابوعبدالله النجار، الشيخ محمد غنيمي سليمان، المرحوم محمود السكافي، الشيخ فكري سليمان.
وكان اخر عهدي بهؤلاء في رمضان عام ٢٠٠٩، وكنت جالسا في فناء داري في القريه فدخل على اثنان من الشعراء وجلسوا طويلا وقدمنا لهم الطعام والشراب والدخان، ثم أخذوا ماقسم الله لهم من رزق ومضوا، ومضى معهم العمر الجميل.
وغدا حكايه جديده ان شاء الله