Thursday, December 1, 2022

نبيل مصيلحي يكتب : إبراهيم رضوان قلب ينبض بالوطنية

( إبراهيم رضوان ) قلب ينبض بالوطنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قراءة / في ديوان ( أغاني الثورة والثوار )
بقلم الشاعر الكبير
نبيل مصيلحي
ـــــ
الشاعر إبراهيم رضوان قلب ينبض بالوطنية ، يوزع وطنيته على أغانيه ، فتتجمل بالإبداع الوطني الثري ، الذي يعكس صورة من صور المقاومة ، لأنه يدرك تماماً دوره في المجتمع ، ونبضه الهادف والتوَّاق لكل أشكال وألوان الخير والحق والجمال ، يطرح فلسفة للحياة ، يغرف من نبعها ، يعزف على أوتار وجدانه ، معزوفات غير تقليدية ، لتستقر في الوجدان الجمعي ، لتصبح للأجيال القادمة سيمفونيات وذخائر للروح الوطنية .
ومن بين إصداراته المتعددة والمتنوعة على مدار مشواره الإبداعي ، أهدى إلىّ .. ( رضوى / أغنيات ، أغاني الثورة والثوار ، ودراسة في ديوان ( سوسنة ) للشاعرة / نادية لطفي ، من أعمق الدراسات الأدبية الإبداعية التي قرأتها ، تؤكد أن المبدع في تحليله ونقده للنص ، يختلف تماماً عن ذلك الناقد المنهجي ، ويبدو أنه أشفق عليّ من الكم الكبير من انتاجه ، والكيف الثري المتنوع ، وحتى لا أغرق في بحر إبداعه ، لعمقه وثرائه ، وحتى أنجز هذه القراءة التي أنا بصددها ، لذا راق لي أن أكتب قراءة موجزة جداً ، فأنا في الأرض ، وإبداعه شمس في سماء الإبداع .. نعم سأضفر منها ما أستطيع ، ومن قمر إبداعه سأملأ قناديل صفحاتي ، كي أقدم ما أنسجه وأحصده إلى القارئ معترفاً بأن هذا قليل جداً من سلسبيل نبعه المتدفق ، ومن سراج إبداعه الوهاج .
تخيل معي أيها القارئ أن كتابن فقط من بين إصدارات متعددة ، للشاعر إبراهيم رضوان يحتويان على ( 319 ) ثلاثمائة وتسعة عشر قصيدة ، فمن يملك القدرة على احتواء كل هذا في قراءة واحدة ، بما فيها سيرته الذاتية المدهشة ، وبما فيها من صفحات امتلأت بالتعريف والإصدارات ، وما هو تحت الطبع ، وما هو طبع بالفعل ، وأعماله في وسائل الإعلام ، وما تم تنفيذه في مجال الفن في .. ( الغناء والمسلسلات ، والمسرحيات والأبريتات ، وما حوته تلك الصفحات من جوائز وتكريمات وأخبار وآراء .
مبدع بحجم إبراهيم رضوان لابد من الوقوف أمام إبداعه وقفة احترام وتقدير ، وكذا أمام وطنيته ، ومقاومته لكل ألوان الفساد والاستسلام ، وبرغم المسافة الكبيرة بينه وبين الأجيال المختلفة والمعاصرة له ، استطاع أن يجمعهم في رحابة صدره ليفرد أجنحته الحنانـة عليهم ، ليشهدوا تواضعه الأنساني ، وروعته وعظمته الإبداعية .
لم يترك إبراهيم رضوان مجالا إلا وكتب فيه ، ولم يغفل عن مفردات الحياة المختلفة إلا وقد استخدمها ، استخداماً فنيا في قصائده وغنائياته .. ( الشمس والقمر والنجوم والفجر والصباح والنهار والبحار والصحراء والأشجار والورود والماء والخضرة والوجه الحسن .. ) فضلا عن المفردات المعنوية الحافلة بها إصداراته .
ويفتتح إبراهيم رضوان ديوانه الثورة والثوار ، بإقرار منه بأنه الفارس الوطني الذي يضحي وسيضحي
بكل ما فيه وأغلى ما فيه وأعز ما فيه ، وهي روحه حتى تحيا حبيبته ومعشوقته ( مصر ) في أمان وسلام ، ويرسمها ويشبهها بالإنسانة القوية القادرة على صد الريح الخوانة ، وذلك في أوعية أغنيته ..( هذا إقرار مني بذلك ) .. القصيدة ص 7،8 من الديوان ، ولا ينسى في إقراره الجيش الذي شهد لجنده رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، بأنهم خير جند الأرض ، وفي أقوى دفقات مشاعره يختم قصيدته بإقرار وطني بدرجة امتياز .. ( هذا إقرار .. توقيعي عليه / إزاي لوطنـَّا أفرط فيه .. أموت انا ولا المح دمع عينيه / ولا حد في يوم يقلق بالك ) . يذكرني هذا بخروج النبي صلوات الله وسلامه عندما اشتد عذاب الكفار له وأمره الله بالهجرة من مكة إلى المدينة يعلمنا في أروع وأعظم أمثلة حب الوطن يقول لمكة والدموع تسيل من عينيه .. ( والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله ، وأحب بلاد الله إلى نفسي ، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت ..) ، وهذا ما اعتنقه ( إبراهيم رضوان ) من إيمانه حب الوطن .
وهنا في وطننا البعض من عديمي الانتماء ينسلخ من نفسه ومن مجتمعه ومن وطنه ، ليرتمي في أحضان كل فاسق وفاجر ومتنطع ، بمعنى آخر يرتمي في أحضان الخيانة والعمالة ، يبيعون الوطن بحفنة دولارات ، وهم من قتلوا الزهرة بمظاهرة ، وهم الذين أحدثوا الفوضي وحرقوا كل ما هو جميل ومفيد ، هذا البيت .. ( قتلنا الزهره بمظاهره / ومات البدر من جوعه ) .. ولكن قد يمرض البدر ، ويمرض الوطن ولكن لن يموت ، وهذا البيت يحمل في أحشائه الكثير والكثير من التأويلات التي يتميز بها إبراهيم رضوان ، مما يدعونا أن نقول إن إبراهيم رضوان لا يضع مفردات أو عبارات مجانية ، ولكن تكمن في ثناياها الرؤية ، وشهادته على واقع أليم ، نرى ذلك في قصيدته .. ( يا أرض الله يامصريه ) ..
والشاعر في قصائده التي يشكلها بمشاعره الفياضة والصادقة ، التي تعلن عن صدق تجربته الإبداعية
يضيف لها المعاني والدلالات التي تفتح أبواب القصائد ، للدخول إليها .. بدون صعوبة ولا إرهاق .. فيقول ( لو شوفنا رايتك بنسمي / ما انتي السما حاضنه نجومنا ) .. وهو لا ينكر فضل بلده / الأم ، وهو يتعلم من فنون إنسانيتها أجمل معاني التضحية .. ( دايما في حبك نتلاقى يامصر يا أصل وجودنا ، يا معلمانا التضحيه / وزاي نقول كلمه صريحه ) .
إن هذا التنوع الشعري الذي أثرى به إبراهيم رضوان الواقع الأدبي في مصر ، هو إبداع يمس القلب والوجدان ، وهذا يشكل استجابة طبييعية خالصة لحاجة الناس ، ومواكبة للظروف والأحداث التي يمر بها المجتمع المصري ، فهو بدون أدنى شك يشكل ما في وجدانهم من مشاعر ، وما في أذاهنهم من أفكار ، وهو يستهدفهم ، في المقام الأول ، وهو على وجه الدقة إنسان مقاوم ينضح بأشكال وألوان البوح المقاوم ، ويعتبر بما يقدمه بمثابة المثل الأعلى للناس في زمنه .
وبإيمانه الذي لا ينضب ومقدرته على تشكيل اللوحة الكلية .. يرسم صورة للشهيد الذي لم ولن ينساه أبداً ، لأن دمه على هدومه حدوته مصرية ، ومن البديهي أن نعرف أن الحكايات لا تموت .. ( إنت افتديت أمك علشان ما تصبح فوق ) .. !! ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) .. وما أجمل هذا .. ( شرب التراب دمك / أصبح زهور وشروق ) .. هذا التصوير البديع الجميل
ومن منا لا يخاف ، فالخوف قد خلقه الله مع بني آدم .. فقال سيدنا يعقوب لأبنائه ( أخاف أن يأكله الذئب ..) ، وقال القرآن عن سيدنا موسى ..( أوجس في نفسه خيفه .. ) ، وأجمل ما في عاطفة الخوف هي الحرص ، على النفس من الوقوع في الخطأ ، والخوف علي الوطن من اعتداءات الغير ، والخوف على الأهل من الضياع ، والخوف المذموم هو خوف الإنسان من غير الله ، وخوف إبراهيم رضوان في هذه القصيدة ضمنياً محمودا .. ( الورد خلاص هيدبل / وهاتخلص القضية ) .. والديوان يحفل بألوان الإبداع الوطني والثوري الذي لا يغفل عن كل مفردات الوطنية والحب الخالص لهذا الوطن ..
هذا كما ذكرت من قبل ، قليل من كثير جدا فاض به بحر الديوان ، فإذا أطلقت العنان للكتابة لن يكفيني ورقات أسطرها لأدفع بها للنشر ، ولكن هذا ملمح من ملامح ديوانه ( أغاني الثورة والثوار ) .. للشاعر الكبير إبراهيم رضوان ، متمنيا له دوام الصحة والإبداع .
نبيل مصيلحي
21/يناير