Tuesday, June 30, 2020

د. مها أباظة تكتب :جبر الخواطر أهم عند الله من الصلاة

عندما نتحدث عن مصطلح “عبادة” فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا الصلاة والصيام و الزكاة وبر الوالدين و الحج إلي بيت الله الحرام وغيرها من العبادات التي تتبادر إلى الذهن بشكل معتاد ، ورغم عظمة شأن هذه العبادات إلا أن هناك عبادة عظيمة لابد أن يتصف بها كل مؤمن ليكتمل دينه، ألا و هي “جبر الخواطر”.

وجبر الخواطر هو خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وسلامة صدر صاحبه ، يجبر المسلم فيه نفوساً وقلوباً مكسورة وأجساماً أرهقها المرض، و ضعفاء يحتاجون ليد حنونة تمتد إليهم و تخفف عنهم ألآم الحياة و قسوتها ، يقول الإمام سفيان الثوري: “ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم”.

ومما يعطي هذا المصطلح جمالاً أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسني وهو “الجبار” وهذا الإسم بمعناه الرائع يُطمئنُ القلبَ ويريحُ النفس فهو سُبْحَانَهُ و تعالى “الذِي يَجْبُرُ الفَقرَ بِالغِنَى، والمَرَضَ بِالصِحَّةِ، والخَيبَةَ والفَشَلَ بالتَّوْفِيقِ والأَمَلِ، والخَوفَ والحزنَ بالأَمنِ والاطمِئنَانِ، فَهُوَ جَبَّارٌ مُتصِفٌ بِكَثْرَةِ جَبْرِهِ حَوَائِجَ الخَلَائِقِ”. تفسير أسماء الله للزجاج (ص: 34).

و قد كان جبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: “اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني”. سنن الترمذي.

ومما يؤكد جبر الخواطر في القرآن الكريم:

قوله تعالى : {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يوسف:15

 هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف –عليه السلام- ولجبر خاطره؛ لأنه ظلم من أخوته والمظلوم يحتاج إلى جبر الخاطر، لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.

ومثله قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }القصص:85

لذلك لابد من استعداد الفرد دائما في جبر خاطر كل شخص لتكتمل عبادته على أكمل وجه، فما نقدمه للآخرين من عطاء مؤكد سيعود لنا بأعظم منه، و ما نبخل به على الآخرين، أو تقسو به قلوبنا، سيكون الجزاء من جنس العمل لأن الله جبار القلوب. 

لذلك تعلم دائما، ألا ترد أحدا من الناس إلا مجبور الخاطر، و لتعلم أن جبر الخواطر أعلى في المنزلة عند الله من الصلاة.