Saturday, April 18, 2020

"إنسية" النجمة السرية التي صنعت الأحداث

ستشعر بنعمة الأم، وأنها مملكة تضحية، ستدرك بشيء من التعجب أن الأم هي النجمة السريَّة التي صَنَعَتْ كل الأحداث الكبيرة وقامتْ بكل التضحيات في الخفاء، ستعرف أنها تحمَّلت حياة قاسية لا تتحملها الصخور، وأنها نجمة لم تظهر بإرادتها طوال الفيلم، فأنت ستتابع الفتاة الشابة (إنسية) طوال المشاهدة على أنها النجم السري ثم ستدرك أن كل سيدات الفيلم نجمات سريات: الأم، والفتاة، والجدة. إنه فيلم يجعلك تقشعر مع قلب الأم وأنت تتابع مشاهدته حتى النهاية.

المتعة البصرية تطالعك من أول ما تتفتَّح الشاشة على خضرة واسعة، وأشجار تدعوك للمحبَّة، قطار ينطلق في الحقول قادماً من بعيد وصوت غناء يأتيك من داخله، الثواني الأولى للفيلم تشعرك أنك ستدخل حالة بهجة تؤكدها الكاميرا حين تدخل لقلب العربات فتجد فتيات وسيدات، وكأن صُنَّاع الفيلم يقولون منذ بداية الدخول للعربة الخاصة بالسيدات في القطار إننا سندخل بهذا الفيلم لعالم المرأة الخاص والسري. 

تأخذنا الكاميرا لوجه فتاة، جميلة برَّاقة ومبهجة والتي قامت بها الممثلة الشابة (زايرا وسيم) في دور (إنسية)، أحسن المخرج في اختيارها لاكتساب تعاطفنا معها منذ الطلة الأولى وهى تنظر للحقول، تسطع على وجهها الشمس وتبتسم فتخرج الكاميرا من القطار وساعتها تبتعد الفتاة بخيالها عن كل ما يحدث وتنفصل عن الجميع وتستمع لصوتها الداخلي وترى الطيور حرة في السماء، ويتبادر للذهن تساؤل، هل هذه الفتاة تبحث عن الحرية؟! وحين تمسك الجيتار وتعزف وينصت لها الجميع نتأكد أنها البطلة وأن الكاميرا لن تفارقها وتبتسم الفتاة وهنا يظهر اسم الفيلم (Secret Superstar) (نجمة في الخفاء) الذي كتبه وأخرجه (أدفيت تشاندان) وقام ببطولته: عامر خان، زيرا وسيم، ميهير فيج، راج أرجون.

قساوة الزوج صنعت أسطورة المرأة.. غالباً يأتي ذكر الزوج (فاروق) في تلافيف الفيلم وحواراته، فهو في الخلفية، كأنَّ الأحداث تتحرك حوله متخفية، هو موجود كحارس مآتة، كل شيء يدور حوله وهو لا يدري به، والأم (ناجما) حريصة على عدم معرفته لما يحدث، حريصة على إبعاده الدائم عن الضوء الحقيقي للأحداث، لأنه يرفضها ويفسدها بقساوته وطبعه الغبي، فظهور الزوج (فاروق) على الشاشة يأتي دائماً عَبوساً كأنه يخرج من العتمة، قال لابنته (إنسية): (لقد تورَّطتُ بالزواج من أمك، ولن يفعل الجميع مثلي) حتى أنه في مشهد بارع للعنف مزَّق أوتار جيتار (إنسية)، بدا صوت أوتار الجيتار يئن على الشاشة، وقلب (إنسية) كاد ينفجر كأنه مزَّق أوتار قلبها وقطع شرايينها، ففي لحظة قَطَعَ صلتها بموهبتها وبالعالم، كانت قوته غليظة وهو في غاية الهدوء يمارس عنفه بيسر وسهوله وكأنه يقتل بقلب بارد. 
ذات مرة كان (فاروق) يرتدي بدلة مبهرجة، تلمع بلا ذوق، وابنه يرتدي بدلة، استعداداً للخروج، فربط للصبي الحذاء، بدا واضحاً أنه يعتني بالذَّكَر أكثر وأنه يمكنه أن يسامحه أكثر، كان منتمياً لعالم ذكوري متخشب، حتى أنه غفر للولد عندما دلق عليه المشروب ولو فعلت ذلك زوجته لعاقبها بشدَّة.
قسوته فظيعة، فقد شمَّر أكمامه وخلع الجاكت وكأنه سيدخل معركة، وضرب زوجته (ناجما) على وجهها أمام أبنائها، يبدو من داخله المريض يحارب أنثى ويضربها، وزاد من تأثير القسوة الطريقة المتقنة التي وُضِع بها المكياج على وجه (ناجما)، وكرهنا هذا الرجل للأبد، وأردنا أن تتحرَّر (ناجما) من هذه القسوة التي كانت سبباً في إظهار قوة تحملها وأسطورة وجودها.

الأم.. صمود حتى النهاية.